هل من مشمر للجنة
روى ابن ماجه وابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَخَطَرَ لَهَا هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! نُورٌ يَتَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيَرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيَلةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ. فِي مقَامٍ أَبَدًا. فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ. فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ) قَالُوا: نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ (قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللهُ).
الجنة يدخلها المسلم الذي ثبت على الإسلام وتجنب الكفريات، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي { إنَّ اللهَ لَمَّا خَلَقَ الجَنَّةَ قالَ لَها تَكَلَمي فَقالَتْ قَدْ أَفَلَحَ المُؤمِنُون } المؤمن هو الذي يدخل الجنة.
الجنَّةُ هي دار السلام وسمَّيت بذلك لأنها دار الأمان، وهي موجودة الآن، مُعدَّةٌ مُهيأةٌ، خلقها الله تعالى، وإلاّ كيف دخلها الرسولُ ليلة الإسراء والمعراج، وربُنا قال: [وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ] {آل عمران:133} أعدت، هُيأت، لذلك يجب الاعتقاد بأنها موجودة الآن، وأن الله أراد لها البقاء إلى غير نهاية، فمن قال بفناء الجنة أو بفناء النار، نقل الحافظ الفقيه السبكي في كتابه “الاعتبار” الإجماع على كفره، فالجنة باقية بإبقاء الله لها، والنار باقية بإبقاء الله لها، ومن قال بفنائِهِما أو بفناء الجنة دون النار أو النار دون الجنة، فهو مُكذِّبٌ لرب العالمين.
ويجب الاعتقاد بأن الله أعد للمؤمنين من النعيم في الجنة وأنهم يُخَلدون فيها إلى غير نهاية، فلا يموتون ولا يصيبهُم البؤس ولا المرض ولا الخرف، ولا الجنون، ولا التعب، ولا الهمّ، ولا الحُزُن، ولا الحَزَن، بل حتى النُعاس لايصيبهم فيها، لماذا ؟ لأن النُعاس يأتي بعد تعبٍ جسديٍ أو بعد تعبٍ فكريٍ، والجنَّة ليس فيها ذلك، ولا سبيل إلى النُعاس إلى قلوبهم في الجنة، بل قلوبهم مليئة عامرة بالفرح والسرور، فلا مجال إلى البؤس إليهم ولا إلى النُعاس ولا إلى النوم بل نعيمٌ دائم إلى غير نهاية، ومما أعدَ الله لهم فيها كما ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال فيها: { هي نُورٌ يَتَلألأ } هي نورٌ يتلألأ فلا يوجد ظلام في الجنة بل لا توجد بقعةٌ مظلمةٌ في الجنة، والجنة واسعة جدًا.
لا يوجد في الجنّة موضعُ شبرٍ مظلم، كلها أنوار ولا يوجد فيها شمس ولا قمر، كل مافيها مُضاء، ولكنهم يعرفون مِقدار الليل والنهار بعلامةٍ جعلها الله لهم في الجنّة، وأيضًا مما أعدّ الله للمؤمنين في الجنّة كما ورد في الحديث الذي رواه الحافظ البيهقي والبزار: أنك إذا نظرت إلى الطائر، إلى طيرٍ مثلاً وهو يطيرُ في الجنّة، فاشتهيته، ينزل مشويًا أمامك، فإذا أكلت، يخلقه الله ويطير من جديد، الله لا يعجزه شىء، ومما لهم فيها، ماءٌ لا يتعفّن من طول الـمـُكث، لا يَفْسُد، إنما هو ماءٌ لذيذٌ فراتٌ، ولا هو في وهادٍ عميقة، إنما يجري على أرض الجنّة، بين الأشجار، وإنما يشربون منه إذا اشتهوا لا عن عطش، لا عن ظمأ، وهم على عروشهم إذا اشتهوا الماء يصعد إليهم، وهم على عروشهم إذا اشتهوا الفاكهة، الثمارُ تدنو منهم، قال الله تعالى: [قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ] {الحاقَّة:23} لا يأكلون عن جوع إنما يأكل إذا اشتهى، ويشرب إذا اشتهى، الجنّة ليس فيها جوعٌ أو عطش، الجنّة دار النعيم المقيم،.
ومما لهم فيها لهم أسِّرَة ولهم عروش، يقعدون عليها ويتكإون، لا لأجل النعاس أو التعب وإنما هذا لأجل أن يتلذذوا بذلك، وهذه المجالس مرفوعة مكللة بالدر والياقوت، فإذا جاء أهلُها تواضعت لهم، فإذا جلسوا عليها ارتفعت بهم، هذا مما أعده الله للمؤمنين في الجنّة، وهناك طوبى كما ورد في الحديث الذي رواه البيهقي، وهي شجرةٌ عظيمة يسيرُ الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها تتفتقُ لهم عن ثياب أهل الجنّة فيلبسونها، وهناك الثياب لا تتسخ ولا تتهرأ ولا تخرج منها روائح منتنة، فالجنّة ليس فيها براز ولا بول ولا نجاسات ليس فيها عرقٌ منتن، ليس فيها روائح كريهة، الجنّة دار النعيم المقيم دار السعادة الأبدية.
هذا مما أعدَّه الله للمؤمنين في الجنّة ختم الله لي ولكم بكامل الإيمان، جعلنا وإياكم من أهل الفردوس الأعلى.