الحمدُ للهِ وكفَى، وسلامٌ على عبادِه الذينَ اصْطَفى، الحمدُ لله الواحدِ الأحدِ الفَردِ الصمدِ الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ ولم يَكنْ لهُ كُفُوًا أحد، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِنا وحبيبِنا وعظيمِنا وقائدِنا وقُرّةِ أعيُنِنَا محمدٍ مَنْ بعثَه اللهُ رحمةً للعَالمين مُبَشِّرًا ونَذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا منيرًا، فهَدَى اللهُ به الأُمَّةَ وكَشَفَ به عنها الغُمَّةَ فجزاه اللهُ عنّا خيرَ ما جَزَى نبيًّا مِنْ أنبيائِه. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ الملِكُ الحقُّ الْمُبين، وأشهدُ أنّ سيِّدَنا محمّدًا رسولُ اللهِ الصادِقُ الوعدِ الأمين، صلواتُ ربي وسلامُه على محمدٍ النبيِّ الأُمِّيِّ وعلى ءاله وصحابتِه الطيبين الطاهرين.
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم، القائل في محكم كتابه:“ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ” سورة غافر/51.
إنَّ الله تعالى وعدَ المؤمنين بالنصرِ المبين، وجعل لهم مِن الشدّة فرجًا ومنَ العسر يُسرا ومن الضيقِ سَعة، وإنَّ الدروسَ المستفادةَ من الهجرة كثيرةٌ، ومن جملتِها ضرورةُ الصبرِ على الشدائدِ والبلايا وكافّة أنواعِ الظلم والاستِبداد، والصمود في وجه الباطل، والوقوف إلى جانب الحقِّ في شجاعة وحزمٍ وعزم، وإنّ بهجتَنا بهذه الذكرى العظيمة في الظروفِ الحالية التي تمرّ بها الأمّة تبعثُنا على مضاعفةِ الجهد في سبيلِ نشر دينِ الله، تبعثُنا على مضاعفةِ الجهد في سبيلِ إعلاء كلمةِ لا إله إلا الله محمّد رسول الله بالتعلُّم والتعليم .
ومن بركات الهجرة أنّ امرأةً مِمّن سبقتْ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة ماتَ ولدُها معَها في الطريق إلى المدينة، أصابَه مرضٌ فمات فتملَّكها الجزعُ فقالت: “اللهمّ إنكَ تعلمُ أني ما هاجرتُ إلا ابتغاءَ مرضاتِك ومحبّةً فيك وفي نبيِّك فلا تُشمِّتْ بي الأعداء” ، فتحرّكَ ولدُها منْ تحتِ الكفن، قام ولدُها في الحال، أحياه الله تعالى، والله على كلِّ شىءٍ قدير. قالت أمّه: “طَعِمَ وَطَعِمْنَا”، وبقيَ حيًّا إلى خلافةِ سيّدِنا عمرَ رضي الله عنه.
هاجرَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينةِ المنوّرة وءَاخَى بين أهلِها بين المهاجرينَ والأنصار وبنى مسجدَه، وصارَ المسلمونَ على قلبِ رجُلٍ واحدٍ لا يُفرّق بينَهم طمعُ الدنيا ولا يُباعدُ بينهم حسدٌ ولا ضغينة، مَثَلُهُم كَمَثَلِ البُنيان المرصوص يشدُّ بعضُه بعضًا ومَثَلُهم في توادِّهم وتراحُمِهم كمثلِ الجسد الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسهر والحُمّى.
اللهمّ أعِدْ علينا هذه الذكرى بالأمن والأمانِ يا ربّ العالمين. هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم