المعراج ثابتٌ بنصّ الأحاديثِ الصحيحةِ، وأما القرءانُ فلم ينصَّ عليه نصًّا صريحًا، لكن وردَ فيه ما يكادُ يكونُ نصًّا صريحًا. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ [سورة النجم] فإن قيل قوله (وَلَقَدْ رَءاهُ) يحتملُ أنْ يكونَ رؤيةً منامِيةً. قلنا هذا تأويلٌ، ولا يَسُوغُ تأويلُ النصّ أي إخراجُهُ عن ظاهِرِهِ لِغيرِ دليلٍ عَقْليّ قاطعٍ أو سَمْعِيّ ثابتٍ كما قاله الرازيُّ في المحصولِ، وليسَ هنا دليلٌ على ذلكَ.
قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حديثِهِ عَنِ الإسراءِ والمعراجِ: “ثم عَرَجَ بنا إلى السماءِ فاسْتَفْتَحَ جبريلُ فقيلَ: مَنْ أَنتَ. قالَ: جبريلُ. قِيل: وَمَنْ معكَ؟ قالَ: محمدٌ. قيلَ: وقدْ بُعث إليهِ؟ (معنى وقد بُعث إليه هل طُلِبَ للعروج وليس معناه أن الملائكة يسألون هل نزل عليه الوحي أم لا لأن الملائكة يعلمون أن محمدًا خاتم الأنبياء، وكانوا يعلمون أنه قد نزل عليه الوحي. ومعنى حديث: “كنت نبيًّا وءادم بين الروح والجسد” أي شهرت بالوصف بالنبوة والرسالة قبل أن يركب روح ءادم في جسده وليس معناه أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خلق قبل ءادم فالرسول يقول: “نحن الآخرون السابقون” ومعناه نحن الآخرون وجودًا السابقون دخولا الجنة.) قالَ: قَدْ بُعِثَ إليهِ. فَفُتحَ لنا فإذا أنا بآدمَ فرحّبَ بي ودَعَا لِي بخيرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إلى السماءِ الثانيةِ، فاسْتَفْتَحَ جبريلُ عليهِ السلامُ فقيلَ: مَنْ أنْتَ؟ قَال: جبريلُ. قيل: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: محمدٌ. قِيلَ: وقد بُعِثَ إليهِ؟ قالَ: قَدْ بُعِثَ إليهِ. فَفُتحَ لنا فإذا أنا بِابْنَيِ الخالةِ عيسى ابنِ مريمَ ويحيى بنِ زكرياءَ صلواتُ الله عليهِما فرَحّبا ودَعَوَا لي بِخَيرٍ. ثم عَرَجَ بي إلى السماءِ الثالثةِ فاسْتفتَحَ جبريلُ، فقيلَ: مَنْ أنتَ؟ قال: جبريلُ، قيل: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: محمدٌ صلى الله عليه وسلم قيلَ: وقَدْ بُعِثَ إليهِ؟ قالَ: قدْ بُعِثَ إليهِ. فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بيوسُفَ صلى الله عليه وسلم إذْ هوَ قَدْ اُعطيَ شَطْرَ الحُسْنِ. فرحَّبَ ودعا لي بخيرٍ. ثم عَرَجَ بنا إلى السماءِ الرابعةِ فاسْتَفْتَحَ جبريلُ عليهِ السلامُ. قيلَ: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ: قيلَ: ومَنْ معكَ؟ قال: محمدٌ. قالَ: وقدَ بُعِثَ إليهِ؟ قال: قد بُعِثَ إليهِ. فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بإدريسَ فرحَّبَ ودعا لي بخيرٍ. قالَ الله عزَّ وجلَّ:﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [سورة مريم]. ثم عَرَجَ بنا إلى السماءِ الخامسةِ فاستفتَحَ جبريلُ. قيلَ: مَنْ هذا؟ قالَ: جبريلُ. قيلَ: وَمَنْ معكَ؟ قالَ: محمدٌ. قيل: وقد بُعِثَ إليهِ؟ قال: قد بُعِثَ إليهِ. ففُتِحَ لنا فإذا أنا بهارونَ صلى الله عليه وسلم فرحَّبَ ودعا لي بخيرٍ. ثم عَرَجَ بنا إلى السماءِ السادسةِ فاستفتحَ جبريلُ عليه السلامُ قيلَ: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ، قيلَ: ومَنْ مَعَكَ؟ قَال: محمدٌ. قيل: وقَدْ بُعِثَ إليهِ؟ قال: قَدْ بُعِثَ إليه. فَفُتِحَ لنا فإذا أمامي موسى صلى الله عليه وسلم فرحَّبَ ودعا لي بخيرٍ. ثم عَرَجَ بنا إلى السماءِ السابعةِ فاستفتحَ جبريلُ فقيلَ: مَنْ هذا؟ قالَ: جبريلُ. قيل ومن معكَ؟ قال: محمدٌ صلى الله عليه وسلم قيلَ: وقد بُعثَ إليهِ؟ قال: قَدْ بُعِثَ إليه. ففُتِحَ لنا فإذا أنا بإبراهيمَ صلى الله عليه وسلم مُسْنِدًا ظهره إلى البيتِ المعمورِ وإذا هُوَ يدخلُهُ كلَّ يومٍ سبعونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يعودونَ إليهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بي إلى سدرةِ المنتهى وإذا وَرَقُها كآذانِ الفِيَلَةِ، وَإذا ثَمَرُها كالقِلالِ (جمع قلة وهي الجرة العظيمة). قال: فلما غَشِيَها مِنْ أمرِ الله مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ فما أحدٌ من خلق الله يستطيعُ أن يَنْعَتها من حُسنِها فأوحى الله إليَّ ما أوحى ففَرَضَ عليَّ خمسينَ صلاةً في كل يومٍ وليلةٍ فنـزلْتُ إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقالَ: ما فرضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِك؟ قلتُ: خمسينَ صلاةً، قالَ: ارجِعْ إلى ربّك (هذا ليس معناه أنه كان في مكان يسكنه الله إنما معناه ارجع إلى المكان الذي تتلقى فيه الوحي من ربك. فالله موجود بلا مكان) فاسألهُ التخفيفَ فإنَّ أمَّتَك لا يُطيقونَ ذلك فإني قد بَلَوْتُ بني إسرائيلَ وخَبِرْتُهمْ. قال: فرجَعْتُ إلى ربي فقلتُ: يا ربّ خَفّفْ على أمتي. فَحَطَّ عني خَمْسًا فرجَعتُ إلى موسى فقلتُ حطّ عني خمسًا. قَالَ: إنَّ أمتكَ لا يطيقونَ ذلكَ فارجعْ إلى ربّك فاسألْهُ التخفيفَ قال: فَلَمْ أزلْ أَرجِعُ بينَ ربي (أي المكان الذي كنت أتلقى فيه الوحي من ربي) تباركَ وتعالى وبينَ موسى عليهِ السلامُ حتى قالَ: يا محمدُ إنهنَّ خمسُ صلوات كُلَّ يَوْمٍ وليلةٍ لِكُل صَلاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاةً. ومن هَمَّ بحسنةٍ فلم يعملها كُتِبَتْ له حسنةً، فإن عَمِلَها كتبتْ له عشرًا، ومن هَمَّ (الهم أمر دون العزم ودون الفعل) بسيئةٍ فلم يعملْها لم تُكْتَبْ شَيْئًا، فإنْ عَمِلَها كُتبتْ سيئةً واحدةً قال: فنـزلتُ حتى انتهيتُ إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرتُهُ فقال: ارجعْ إلى ربّك فاسألْهُ التخفيفَ. فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: قد رجَعتُ إلى ربي حتى اسْتَحْيَيْتُ منهُ” رواه مسلمٌ.
وفي هذا الحديث دليل لأهل الحق أهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية على أن النبي والولي له تصرف بعد وفاته وينفع بإذن الله، أليس موسى نفع أمة محمد صلى الله عليه وسلم نفعًا عظيمًا بهذا الذي حصل ليلة المعراج حين أشار على الرسول أن يَطْلب من ربه التخفيف في عدد الصلوات؟ وهذا ردٌّ على الوهابية مشبهة العصر النافين النفعَ عمن مات، بل ويعتبرون من توسل بالأنبياء والأولياء مشركًا والعياذ بالله.
والمقصودُ من المعراجِ تشريفُ الرسولِ بإطلاعِهِ على عجائِبِ العالمِ العلويّ، وتعظيمُ مَكانتِهِ. قال تعالى: “ لَقَدْ رَأَى مِنْ ءايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ” سورة النجم {18}
فائدة جليلة: يجدر بنا أن نذكر بأنّ الله تعالى هو خالق السماوات السبع وخالق الأماكن كلّها وأنّ الله كان موجودا قبل خلق الأماكن بلا هذه الأماكن كلّها. فلا يجوز أن يُعتقد أنّ الله تعالى موجود في مكان أو في كل الأمكنة أو أنه موجود في السماء بذاته أو متمكن على العرش أو حال في الفضاء أو أنه قريب منا أو بعيد عنا بالمسافة، ومن نسب المكان أو الجهة لله لا يكون مسلما، ويكون الدخول في الاسلام بالنطق بالشهادتين أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله مع اعتقاد الصواب، أنّ الله موجود بلا مكان ولا يشبه شيئا من مخلوقاته. فيجب الحذر من الكتاب المسمى : “كتاب المعراج” المنسوب كذبا لابن عباس .