Fri, 27th Sep, 2024 /
24 Rabīal-Awwal, 1446
الجمعة ٢٧ , سبتمبر , ٢٠٢٤ / 24 رَبِيع ٱلْأَوَّل , 1446

الحمدُ للهِ نحمدُه ونَستعينُه ونَستهديه ونَستغفرُه ونَسترشدُه، ونعوذُ باللهِ مِن شُرورِ أَنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِ اللهُ فَهُو الْمُهْتَد وَمن يُضْلِل فلن تجدَ له وليًّا مُرشدا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ له ولا شبيهَ ولا مَثيلَ له، مهما تصورتَ ببالك فالله بخلاف ذلك، ومَن وصف الله بصفةٍ من صفاتِ البشر فقد كفر، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وقائدَنا وقرةَ أعيُنِنَا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصفيُّه وحبيبُه وخليله، أرسله اللهُ بالهدَى ودِيْنِ الحقِّ هاديًا ومُبشرا ونذيرا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهَدَى اللهُ به الأُمَّة وكشفَ به الغُمة، وأخرجَ به الناسَ من الظلماتِ إلى النور، فجزاه اللهُ خيرَ ما جزى نبيًّا عن أُمَّتِه، اللهم صلِّ على سيِّدنا محمدٍ وعلى ءاله وصَحبه الطيبين الطاهرين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.

أمّا بعد عباد الله فأوصي نفسي وأوصيكم بتقوى اللهِ العظيم، قال الله تعالى في القرءَان الكريم:” ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ {102} لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {103}” سورة الأنعام.

إخوةَ الإيمان والإسلام، اعلَمُوا رحمكمُ اللهُ بتوفيقِه أنّ اللهَ الذي خَلَقَنا ورَزَقَنا النِّعَمَ الكثيرةَ يَسْتحقُّ أنْ يُعْبَدَ فَلا يُجْحَد، وأنْ يُطاعَ فلا يُعصى، وأن يُشْكَرَ فلا يُكْفَر، وما زِلنا رَغمَ البلاءِ والغلاءِ نتقلَّبُ في نِعَمِ اللهِ الكثيرةِ ظَهْرًا لِبَطْن، قال تعالى:” وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا” سورة النحل. وكلُّ نِعمةٍ نحنُ فيها مِنْ صحةٍ وعافيةٍ في الدِّين والنَّفْسِ، وولدٍ ومالٍ ومتاعٍ هي مِن الله.

وتَعلمون أيُّها الأحبّة، أنَّ الذنبَ الوحيدَ الذي لا يَغفرُه اللهُ بالمرةِ لِمَن ماتَ عليه هو الكفر، ولذلك فإننا كُنَّا ومَا زِلْنَا ولا نَزَالُ مَا عِشْنَا إنْ شاءَ اللهُ نُحذِّرُ مِنَ الكفرِ ليلَ نهار، شفَقةً على الناس، ومن عابَ علينا ذلك فالعيبُ فيه، فنحنُ نُحذِّرُ منَ الكفرِ نَلْتَمِسُ بذلكَ الأجرَ مِنَ اللهِ، ونَرجو أن نكونَ من الفائزين.

وإذا ما كانتِ المروءةُ تقتضي أن تُقابلَ مَن أحسنَ إليكَ بالإحسانِ والشكر وكم من أُناس يُحسنُ بعضُهم إلى بعضٍ فترى أحدهم يشكرُ لصاحبِ الإحسانِ معروفَه مدى الحياةِ وربما كان أحسنَ إليه فقط بقرضٍ ماليٍّ ثم ردَّه إليه ومع ذلك لا ينساه له، فإنَّ الأَولى أن تَشكرَ ربَّك عزَّ وجلَّ على مَا أَولاك مِن النَّعماءِ  ، قالَ اللهُ تبارك تعالى : ” فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُم وَاشْكُرُوا لي وَلا تَكْفُرُون” سورة البقرة. والمعنى اذكرُوا اللهَ بالطَّاعةِ في الدنيا يَذكرْكُم بالمغفرةِ والرحمة في الآخرة، واشكروا له أي وَجِّهُوا العبادةَ له خَاصَّةً ولا تكفروا، أي لا تشركوا به بعبادة غيره.

إخوةَ الإيمان: قال تعالى:” أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ {8} وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ {9} وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ {10}” سورة البلد. فكم مِنْ نِعمةٍ أنتَ فيها في نَفْسِك وأَهلِكَ ومَالِكَ ويَطُولُ الكلامُ جدًّا لوِ اسْتعرَضنا بعضَ نِعَمِ اللهِ تعالى علينا، إذًا أفلا يَجْدُرُ بِكَ أنْ تَشكرَ اللهَ وتَخشاه وتَستعِدَّ ليومٍ تُؤاخَذُ فيه على نُقْطَةِ الحبر إنْ كَتبْتَ بها ما يُسْخِطُ اللهَ، فكيف بِنِعَمٍ جَمَّةٍ عَصيتَ بها الله. قال الله تعالى:” يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ {30}” سورة ءال عمران. وقال تعالى أيضًا:” اِعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” سورة المائدة. ففي الآيتينِ تحذيرٌ وتَرغيبٌ وتَرهيب، فالعَاقلُ مَنْ أطاعَ اللهَ واجتنبَ معاصِيَه، وأكبرُ تلكَ المعاصي الكفرُ والعياذ بالله تعالى، وكم وكم مِنَ الناسِ يَزْعُمُونَ محبةَ اللهِ وتعظيمَه وهُم في الواقع كافرون بالله وهم لا يَشْعُرون، وتَراهُم لا يَصْبِرُون على البلاءِ فَيَخْرُجُون مِنَ الإيمان إلى الكفر، ومِنَ النُّورِ إلى الظُّلُمات، كَمن يَسُبُّ اللهَ، كأن يقول: يِلْعَن رَبَّك، أو خَوَتْ رَبِّي أو يَنْسبُ للهِ الولدَ أوِ الزوجةَ، كأن يقول: أُخْتَ رَبِّكَ أوِ ابْنَ اللهِ أو يَعْترضَ على الله.

ألا فليُعلمْ أن تشبيهَ اللهِ بخَلْقِه شَتْمٌ لله، وأنَّ نِسبةَ المكانِ والجهةِ لله شتمٌ لله، وأنَّ كُلَّ قولٍ أو فِعْلٍ أوِ اعْتقادٍ فيهِ استخفافٌ بالله أو ملائكتِه أو كتبِه أو رسُلِه أو وَعْدِه أيْ بالجنةِ والثوابِ أو وعِيْدِه أي بالعذابِ والعقابِ كمن يستخفُّ بجهنم فيقول مثلا: نتدفَّأُ بها هو كفر، فَلْيَحْذَرِ الإنسانُ مِن ذلك أشدَّ الحَذر، فإنَّ الذنبَ الوحيدَ الذي لا يَغفرُه اللهُ بالمرة لِمَنْ مَاتَ عليه هو الكفر والعياذ بالله. وبالتالي: يجبُ على مَن تلوَّثَ بالكُفر أنْ يتبرَّأَ مِنه فورًا بالشهادتين.

وإنَّ مما يُؤسفُ حقيقةً ويَنْدَى لَه الجَبِينُ أَسًى أن نسمعَ منْ جديدٍ الكفرَ في الشوارع كمسبَّةِ اللهِ أو مسبةِ الأنبياء.

أفلا يعتبرُ هؤلاءِ ويَرْتَدِعُون؟؟ أفلا يتَّعظونَ بما نزلَ ويَنْزِلُ بالعبادِ والبلادِ مِنْ غلاءٍ وبلاءٍ وفِتَنٍ وحُروب؟ أَلا يَدْرِي مَنْ يَكفرُ باللهِ أنَّه قد يموتُ فَجأةً بعدَ دقيقةٍ أو أقلَّ على كُفْرِه فَيَخْلُد في نارِ جهنمَ أَبَدَ الآبِدِيْن؟؟ أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ هؤلاءِ السُّفَهاءُ ولْيَتَدَاركوا أنفُسَهم قبلَ فواتِ الأَوان فإنَّ عذابَ اللهِ شديد. أَلَا فَلْيَعْلَم هؤلاء أنَّ تعظيمَ اللهِ فرضٌ ومن كان مُعَظِّمًا لله شَكَرَ اللهَ على نِعَمِه وَمَنْ عَقَدَ قلبَه على تعظيمِ اللهِ حَفِظَ نَفْسَه مما يُخرجُه مِن دِينِ الإسلامِ إنْ كانَ قولًا أوْ فِعلا أوِ اعْتقادًا.

وإن أعظمَ نعمةٍ يَشكرُ العبدُ ربَّه عليها نعمةُ الإيمان، فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:” أفضلُ الأعمالِ إيمانٌ بالله ورسولِه” رواه البخاري.

فاثبُتوا أيُّها الأحبةُ على الإيمان والطاعة لله، اُثبُتوا على تعظيمِ ربِّكمُ التَّعظيمَ الواجبَ وتَذَلَّلُوا له غايةَ التَّذلُّلِ، اُثبتوا على التقوى رُغْمَ كُلِّ ما أصابَ البلادَ والعباد، إِيَّاكُم أنْ يَفتِنَكُمُ الشيطانُ والنَّفْسُ الأمَّارةُ بالسُّوء، إياكم أن يَحْمِلَكُمْ حُبُّ الدُّنيا على الطُّغيانِ والضلال، وَمَنْ خَسِرَ مَالَهُ وصِحَّتَه فَلا يَخْسَرَنَّ إيمانَه، فإنَّ الآخرةَ تُغني عنِ الدنيا، أمَّا الدنيا فلا تُغني عنِ الآخرة، فلقد قيل:

إِذَا أَبْقَتِ الدُّنْيَا عَلى المرءِ دِيْنَهُ      فَمَا فَاتَهُ مِنْهَا فَلَيْسَ بِضَائِرِ

وإذا ما كُنْتَ تَشْكُرُ لِمَخْلُوقٍ أحسنَ إِليكَ فَأَوْلَى بِكَ أنْ تَشْكُرَ الخالِقَ العَظيمَ الذي رَزَقَكَ كلَّ نِعْمَةٍ أَنْتَ فيها وإذا مَا أحسنَ أحَدٌ مِنَ الخَلْقِ إليكَ كانَ إِحسانُه لكَ كذلك بِتقديرِ الله، أَيْ فَمِنْ نِعَمِ اللهِ عليكَ أنْ سَخَّرَ لكَ مَنْ أحسنَ إِليك. تَضَرَّعُوا إلى ربِّكُم واشْكُرُوا لَه وارْجُو رَحْمَتَهُ وخَافُوا عذابَه، فاللهُ قادرُ عظيمٌ ولْيَسْتَحْضِرْ كُلٌّ في نَفْسِه: اللهُ يَرَاني، اللهُ عالمٌ بي، اللهُ مُطَّلِعٌ عَلَيّ، اللهُ قادرٌ عَلَيّ، اللهُ عظيمٌ، اللهُ جليل، اللهُ فَعّالٌ لِمَا يُريد، لِيَمْتَلِئْ قَلْبُهُ بِالرَّهْبِة والإِجلالِ لله ربِّ العَالمين. وَمَنِ ابْتُلي بالوقوعِ بِشَيءٍ مِنَ الكُفرياتِ فَلْيَعْجَلْ بِالتوبة منها، بالرُّجوعِ إلى الإسلامِ بالنُّطْقِ بالشهادتينِ والإقلاعِ عمَّا وَقَعَتْ به الرِّدَّة، وَلْيَعْزِمْ في قَلْبِهِ على عَدَمِ العَوْدِ إليها، وَلْيَنْدَمْ على مَا صَدَر مِنْه، ولا يَكفيْهِ الاستغفارُ قبلَ رُجُوعِه إلى الإسلامِ بما ذكرناهُ مِنَ النُّطْقِ بالشَّهادتينِ والإقلاعِ عمَّا وَقَعَتْ بِه الرِّدَّة، بلْ لا يَزيدُه قولُه أَستَغْفِرُ اللهَ قَبْلِ رُجُوعِه للإسلام إلَّا ذَنْبًا وكُفْرا، لِمَا يَتَضَمَّنُه مِنْ تَكذيبِ اللهِ تعالى، فَكَأَنَّهُ يقول: أَنْتَ يَا رَبُّ أَخْبَرْتَ بِأَنَّكَ لَا تَغْفِرُ لِلْكَافرِ بقولِكَ:” إنَّ الذِيْنَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُم وَلا لِيَهْدِيَهُم طَرِيْقَا”  وأنا أطلُبُ مِنْكَ أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَكَ وَتَغْفِرَ لي وهذا كفرٌ وضلالُ فَلْيُحْذَر.                              

هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

< Previous Post

الصبر والتراحم

Next Post >

الأَمْرُ بِالْمَعْرُوْفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ- خطبة الجمعة

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map