الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونستغفِرُهُ ونستَرْشِدُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مَثِيلَ لَهُ، مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبالكَ فاللهُ بِخِلافِ ذلكَ، وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ، وأشهدُ أَنَّ سیِّدَنا وحبيبَنا وقائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمدًا عَبْدُ اللهِ ورسولُه وصفيُّهُ وحبيبُه وخَلِيلُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ بالهدَی وَدِينِ الحَقِّ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا ونذيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللهِ بإذنِهِ وسِراجًا مُنِيرًا، فَجَزَاهُ اللهُ خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ، اللهمَّ صلِّ على سيِّدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحسانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ فاتقوا اللهَ ربَّ العالمين.

يقولُ اللهُ تعالى في القُرْءَانِ الكَريمِ في سورةِ يوسف ﴿لَّقَدۡ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخۡوَتِهِۦٓ ءَايَٰتٌ لِّلسَّآئِلِينَ ٧﴾ كَلامُنا اليَوْمَ أَيُّها الأَحِبَّةُ عن جَانِبٍ مِنْ حَيَاةِ نَبِيٍّ عَظِيمٍ مِنْ أَنْبِياءِ اللهِ الكِرامِ هُوَ سيِّدُنا يوسُفُ عليهِ السَّلامُ.

وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ أَنْبِياءِ بَنِي إِسْرائِيلَ، وقد جاءَ ذِكْرُ قِصَّتِهِ في القُرءانِ الكريمِ ولا أُريدُ أَنْ أَدْخُلَ في تَفْصِيلِ ذلكَ وإنما أَرَدْتُ في خُطْبَتِي اليومَ أَنْ أُنَبِّهَ علَى بَراءَةِ هذَا النبيِّ الطاهرِ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ، حَيْثُ زَعَمَ بعضُهُمْ أَنَّهُ أَرَادَ الزِّنَى وأنهُ قَعَدَ مِنَ امْرَأَةِ العَزِيزِ مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنْ زَوجتِه وغيرَ ذلكَ مما لا يَلِيقُ بهِ، فَاقْتَضَى ذلكَ منَّا الدِّفَاعَ عن هذا النبيِّ الطاهرِ، فنقولُ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أنَّ اللهَ تعالَى قَدْ حَفِظَ نَبِيَّهُ يُوسُفَ عليهِ السلامُ وَنَزَّهَهُ عَنِ الفَاحِشَةِ وَصَانَهُ وَحَمَاهُ عَنْهَا كمَا حَفِظَ وصَانَ سائِرَ الأَنْبِياءِ، فيَجِبُ بِالتَّالِي تَبْرِئَةُ نبيِّ اللهِ يوسفَ عليهِ السلامُ مِنَ الزِّنَى، وَمِنَ الهَمِّ بهِ، حيثُ إِنَّ الزِّنَى لا يليقُ بأَدْنَى مُؤْمِنٍ فَكَيْفَ يَسُوغُ أَنْ يُنْسَبَ مِثْلُ ذلكَ إلى نَبِيٍّ طَاهِرٍ، فَلَا يُخَالِجَنَّ قَلْبَكَ الشَّكُّ في ذلكَ، فَلَيْسَ حَالُ الأَنْبِياءِ كأَحْوَالِ عَوَامِّ النَّاسِ، وَقَدْ قَالَ تعالى في سُورةِ الأَنْعَامِ بَعْدَ ذِكْرِ عَدَدٍ مِنْهُمْ ﴿وَكُلًّا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٨٦﴾، وَلَا تَلِيقُ الرَّذَائِلُ بِمَنْ فَضَّلَهُمُ اللهُ هَذَا التَّفْضِيلَ.

وَخُلاصَةُ الكَلَامِ أَنَّ يوسفَ عليهِ السلامُ أَقَامَ في بَيْتِ عَزِيزِ مِصْرَ وَوَزِيرِها مُكَرَّمًا، وكانَ فَائِقَ الحُسْنِ وَالْجَمَالِ، فَلَمَّا شَبَّ أَحَبَّتْهُ امْرَأَةُ العَزِيزِ حُبًّا جَمًّا، وكَانتِ امْرَأَةً في غايَةِ الجَمالِ وَالْمَنْصِبِ وَالشَّبابِ، فَأَرَادَتِ الفَاحِشَةَ وَعَمِلَتْ حِيلَةً لِتَخْتَلِيَ بِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ ولَبِسَتْ أَفْخَرَ ثِيَابِها وَدَعَتْهُ إلى نَفْسِهَا مِنْ غَيرِ حَيَاءٍ، فَأَبَى وَامْتَنَعَ أَشَدَّ الامْتِنَاعِ وَاسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنْ فِعْلِ تِلْكَ الخَطِيئَةِ، قالَ تعالى في سورةِ يوسف ﴿وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ﴾. وَأَصَرَّتْ هِيَ علَى اقْتِرَافِ الفَاحِشَةِ فَانْصَرَفَ فَأَمْسَكَتْ ثَوْبَهُ مِنْ خَلْفٍ فَتَمَزَّقَ قَمِيصُهُ وَلَحِقَتْهُ فَرَكَضَ إلَى البَابِ وكانَ قَدْ وَصَلَ زَوْجُها في تِلْكَ اللَّحَظَاتِ فَكَذَبَتْ ونَسَبَتْ إلى يوسفَ عليه السلامُ مُحَاوَلَةَ إِغْوَائِها، قالَ تعالى في السُّورةِ نَفْسِها ﴿وَٱسۡتَبَقَا ٱلۡبَابَ وَقَدَّتۡ قَمِيصَهُۥ مِن دُبُرٍ وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ قَالَتۡ مَا جَزَآءُ مَنۡ أَرَادَ بِأَهۡلِكَ سُوٓءًا إِلَّآ أَن يُسۡجَنَ أَوۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٢٥ قَالَ هِيَ رَٰوَدَتۡنِي عَن نَّفۡسِيۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٢٦ وَإِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتۡ وَهُوَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٢٧﴾. وَفِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ أَنَّ هذا الشاهِدَ كانَ صَبِيًّا في الْمَهْدِ أَنْطَقَهُ اللهُ تعالى ﴿فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُۥ مِن كَيۡدِكُنَّۖ إِنَّ كَيۡدَكُنَّ عَظِيم ٢٨﴾ أَيْ لَمَّا رَأَى زَوْجُها ذلكَ قالَ مَا قالَ وَعَرَفَ أنهُ مِنْ كَيْدِهِنَّ ثم قالَ زَوْجُهَا بعدَ ذَلِكَ ﴿يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ وَٱسۡتَغۡفِرِي لِذَنۢبِكِۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلۡخَاطِ‍ئِينَ ٢٩﴾ وهذا دَلِيلٌ ءاخَرُ علَى بَراءَتِهِ عليهِ السلامُ، وأَمَامَ قِيامِ الدَّلِيلِ السَّاطِعِ علَى نَزَاهَتِهِ لَمْ يَسَعِ امْرَأَةَ العزيزِ إلَّا أَنْ تُقِرَّ بِعِفَّتِهِ، قالَ تعالى ﴿قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٥١﴾ وَيَكْفِي في بَراءَةِ هذَا النبيِّ الكَريمِ أَنْ قَدْ بَرَّأَ نَفْسَهُ هُوَ كمَا شَهِدَ بهِ كِتَابُ اللهِ بِقَوْلِه ﴿هِيَ رَٰوَدَتۡنِي عَن نَّفۡسِي﴾ وَلَا شَكَّ في صِدْقِهِ وعِصْمَتِهِ كَسَائِرِ الأَنْبِياءِ منَ الكَذِبِ وَالبُهْتَانِ.

وإِذَا قَالَ قَائِلٌ بعدَ هذَا البَيانِ إِذًا مَا مَعْنَى قَوْلِ اللهِ تعالى في سورةِ يوسف ﴿وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَآ أَن رَّءَا بُرۡهَٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ ٢٤﴾، فَالجَوابُ مَا يَلِي، إِنَّ أَحْسَنَ مَا قِيلَ في تَفْسيرِ هذهِ الآيةِ أَنَّ جَوابَ لَوْلَا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ علَيْهِ ما قَبْلَهُ، أَيْ لَوْلا أَنْ رأَى بُرْهانَ ربِّهِ لَهَمَّ بِها، مَعْنَاهُ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَلَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِها فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ هَمٌّ لِلزِّنى لأَنَّ اللهَ أَرَاهُ بُرْهَانَهُ، والبُرهانُ العِصْمَةُ أَيِ الحِفْظُ التَّامُّ بِلا انْخِرَامٍ. وَقَدْ ذَكَرَ هذَا الْمَعْنَى القُرْطُبِيُّ في جَامِعِهِ وغَيْرُه.

وكيفَ يُنْسَبُ إلى يوسفَ عليهِ السلامُ طَلَبُ الفَاحِشَةِ وقَدْ بَرَّأَهُ اللهُ تعالى مِنْ ذلكَ في كِتابِهِ بَلْ وعَلَى لِسَانِ امْرَأَةِ العَزيزِ فقَدْ قالَ تعالى إِخْبَارًا عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ ﴿وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ
عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَ﴾
فَدَلَّتْ هذِهِ الآيَةُ على أَنَّها هِيَ التِي أَرادَتِ الزنى وَسَعَتْ إليهِ وَأَنَّهُ رَفَضَ ذلكَ وَأَبَاهُ أَشَدَّ الإِبَاءِ، فَشُدَّ يَدَيْكَ علَى هَذَا وَتَمَسَّكْ بِبَرَاءَةِ يوسفَ عليه السلامُ عَنْ قَصْدِ الزِّنَى والهَمِّ بهِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَنْسُبَ إِرَادَةَ الفَاحِشَةِ وَالعَزْمَ عليهَا إلى نَبِيٍّ كريمٍ فَإِنَّ ذلكَ ضَلالٌ وَخُروجٌ مِنَ الدِّينِ فَالحَذَرَ الحَذَرَ

هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.

 

< Previous Post

العيد محطة لتهذيب النفس- خطبة عيد الأضحى المبارك

Next Post >

خطبة الجمعة | الرؤية لله تعالى في الآخرة

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map