Wed, 13th Nov, 2024 /
12 Jumādā al-Ula, 1446
الأربعاء ١٣ , نوفمبر , ٢٠٢٤ / 12 جُمَادَىٰ ٱلْأُولَىٰ , 1446

Download As PDF

كانت العرب أول الأمر تؤرخ بعام الفيل، وهو عام مولده صلى الله عليه وسلم، ولم يزل التاريخ كذلك في عهد سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وعهد أبي بكر رضي الله عنه، إلى أن وَلِي عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، فجمع الصحابة واتفقوا رضي الله عنهم على الهجرة بداية للتقويم الإسلامي.

روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَرْبَعِينَ سَنَةً، ‌فَمَكُثَ ‌بِمَكَّةَ ‌ثَلَاثَ ‌عَشْرَةَ ‌سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهْوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ».

وروى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «وُلِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَاسْتُنْبِئَ ‌يَوْمَ ‌الْاثْنَيْنِ، ‌وَخَرَجَ ‌مُهَاجِرًا ‌مِنْ ‌مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْاثْنَيْنِ وَرَفَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ».

وقد بوَّب الإمام البخاري في “صحيحه” “باب التاريخ من أين أرخو التاريخ”، وأورد فيه قول سهل بن سعد رضي الله عنه: «مَا ‌عَدُّوا ‌مِنْ ‌مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ».

وذكر ابن كثير في “البداية والنهاية” (4/ 511، ط. هجر):

وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه، قال: استشار عمر في التأريخ فأجمعوا على الهجرة.

وقال أبو داود الطيالسي: عن قرة بن خالد السدوسي، عن محمد بن سيرين، قال: قام رجل إلى عمر فقال: أَرِّخوا. فقال: ما أَرِّخوا؟ فقال: شىء تفعله الأعاجم؛ يكتبون: في شهر كذا من سنة كذا. فقال عمر: حَسَنٌ فأَرِّخوا. فقالوا: من أي السنين نبدأ؟ فقالوا: من مبعثه. وقالوا: من وفاته. ثم أجمعوا على الهجرة، ثم قالوا: وأي الشهور نبدأ؟ فقالوا: رمضان. ثم قالوا: الـمُحَرَّم؛ فهو منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام. فاجتمعوا على الـمُحَرَّم.

ثم قال (4/ 512): وروى محمد بن إسحاق، عن الزهري، وعن محمد بن صالح، عن الشعبي، أنهما قالا: أرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم، ثم أرخوا من بنيان إبراهيم وإسماعيل البيت، ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي، ثم أرخوا من الفيل، ثم أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة، وذلك سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة… والمقصود أنهم جعلوا ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وجعلوا أولها من الـمُحَرَّم، فيما اشتهر عنهم، وهذا هو قول جمهور الأئمة.اهـ

ويقول الزرقاني في شرحه على “المواهب اللدنية” (2/ 153، 154، ط. دار الكتب العلمية): ولم يؤرخوا بالمولد ولا بالمبعث؛ لأن وقتهما لا يخلو من نزاع من حيث الاختلاف فيهما، ولا بالوفاة النبوية؛ لما يقع في تذكره من الأسف والتألم على فراقه.اهـ

وقال أبو القاسم السُّهيْلي في “الروض الأنف” (4/ 151، ط. دار إحياء التراث العربي): قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، وهو التاريخ فيما قال ابن هشام.اهـ

كما روى الحافظ البيهقي في دلائل النبوة (2/ 511، ط. دار الكتب العلمية):

عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ ابن عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ ‌لِاثْنَتَيْ ‌عَشْرَةَ ‌لَيْلَةً ‌خَلَتْ ‌مِنْ ‌شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشَرَ سِنِينَ»

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «كَانَ بَيْنَ لَيْلَةِ الْعَقَبَةِ وَبَيْنَ مُهَاجِرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْأَنْصَارِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَقَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِتَمَامِ مُهَاجَرِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عشر سنين».اهـ

وقد حاول العلماء طلب مناسبة اختيار الـمُحَرَّم لبداية التاريخ، فذكروا حرمته وفضله؛

وقال الحافظ السخاوي في “فتح المغيث” (4/ 306، ط. مكتبة السُّنَّة):

ثم اختير أن تكون السنة مفتتحة من شهورها بالمحرم: لكونه شهر الله، وفيه يُكسى البيت، ويُضرب الوَرِق، وفيه يوم تاب فيه قوم فتيب عليهم.اهـ

وقال أبو هلال العسكري في “الأوائل” (ص: 151، ط. دار البشائر- طنطا):

فجعله من المحرم وهو آخرها فصيره أولا لتجتمع ‌فى ‌سنة ‌واحدة.اهـ

وقال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (7/ 268): وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مناسبة؛ فقال: كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة: مولده، ومبعثه، وهجرته، ووفاته، فرجح عندهم جعلها من الهجرة؛ لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السَّنَة، وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه؛ لما توقع بذكره من الأسف عليه، فانحصر في الهجرة. وإنما أخروه من ربيع الأول إلى الـمُحَرَّم؛ لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في الـمُحَرَّم؛ إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال الـمُحَرَّم، فناسب أن يجعل مبتدأ، وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالـمُحَرَّم، وذكروا في سبب عمل عمر التاريخ أشياء: منها ما أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في تاريخه ومن طريقه الحاكم من طريق الشعبي أن أبا موسى كتب إلى عمر: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أرخ بالمبعث، وبعضهم أرخ بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها، وذلك سنة سبع عشرة. فلما اتفقوا قال بعضهم: ابدءوا برمضان. فقال عمر: بل بالمحرم فإنه ‌منصرف ‌الناس ‌من ‌حجهم، فاتفقوا عليه.اهـ

< Previous Post

حكم التهنئة بقدوم الأعوام والشهور

Next Post >

عاشوراء | خطبة الجمعة

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map