Wed, 13th Nov, 2024 /
12 Jumādā al-Ula, 1446
الأربعاء ١٣ , نوفمبر , ٢٠٢٤ / 12 جُمَادَىٰ ٱلْأُولَىٰ , 1446

Download as PDF

العشر الأول من ذي الحجة

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله الطيبين وأصحابه الميامين وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، يقول الله تعالى: «وَٱلۡفَجۡرِ ١ ‌وَلَيَالٍ ‌عَشۡرٖ ٢ وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ ٣» [الفجر: 1-3] 

وعـن جابـر رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ»، يَعْنِي: عَشْرَ ذِي الْـحِـجَّةِ. قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد حسن، وَأَبُو يعلى بِإِسْنَاد صَحِيح وَلَفظه: قَالَ: «مَا ‌مِنْ ‌أَيَّامٍ ‌أَفْضَلُ ‌عِنْدَ ‌اللَّهِ ‌مِنْ ‌أَيَّامِ عَشْرِ ذِى الحجَّةِ » ورواه ابن حبان في صحيحه.اهـ ورواه أبو عَوانة في مستخرجه.اهـ

إخوة الإيمان والإسلام:

أقسم الله تعالى بالفجر وليال عشر، والله تعالى يقسم بما يشاء، والليالي التي أقسم الله عز وجل بها هي ليالي أيام العشر الأُول من ذي الحجة، والشفع هو يوم النحر، الذي يوم الحج الأكبر، والوتر هو يوم عرفة.

فقد أخرج أحمد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه، والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، والبيهقي في الشعب عن جابر أن النبي ﷺ قال: «وَٱلۡفَجۡرِ ١ ‌وَلَيَالٍ ‌عَشۡرٖ ٢ وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ ٣ » إِنَّ الْعَشْرَ عَشْرُ الْأَضْحَى، ‌وَالْوَتْرَ ‌يَوْمُ ‌عَرَفَةَ، وَالشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ».

ومن فضائل العشر الأول من ذي الحجة: أنه من جملة الأربعين التي واعدها الله عز وجل لموسى عليه السلام قال الله تعالى: «وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ » [الأعراف: 142] 

فقد روى عبد الرزاق في المصنف عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: « مَا مِنْ ‌عَمَلٍ ‌فِي ‌أَيَّامِ ‌السَّنَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، قَالَ: وَهِيَ الْعَشْرُ الَّذِي أَتَمَّهَا اللَّهُ لِمُوسَى».اهـ

قال القرطبي في تفسيره: « (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَمَسْرُوقٌ رضي الله عنهم: هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ».اهـ

قال في إرشاد الساري: (باب قول الله تعالى {وواعدنا}) بألف بعد الواو ({موسى ثلاثين ليلة}) ذا القعدة ({وأتممناها بعشر}) من ذي الحجة ({‌فتم ‌ميقات ‌ربه أربعين ليلة}). روي أن موسى عليه الصلاة والسلام وعد بنى إسرائيل بمصر أن يأتيهم بعد مهلك فرعون بكتاب من الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك سأل ربه فأمره بصوم ثلاثين فلما أتم أنكر خلوف فمه فتسوّك فقالت الملائكة: كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله تعالى أن يزيد عليه عشرًا.اهـ

ومن فضائله أيضا: أنه خاتمة الأشهر المعلومات أشهر الحج التي قال الله فيها: «‌ٱلۡحَجُّ ‌أَشۡهُرٌ ‌مَّعۡلُومَٰتٌ» [البقرة: 197]، وهي شوال وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة.

وقد دلت الأحاديث على أن العمل في أيام العشر الأُول من ذي الحجة أحبُّ إلى الله من العمل في أيام غيره من السنة، فعمل البر والإحسان فيها يزيد على ما سواه والأعمال الصالحة تزكو عند الله أكثر مما إذا عملت في غيرها.

وذلك لاجتماع أمهات العبادة فيها، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحجّ، ولا يتأتَّى ذلك في غيرها.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: « وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ ‌اجْتِمَاعِ ‌أُمَّهَاتِ ‌الْعِبَادَةِ فِيهِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ».اهـ

وقد أرشدنا النبي ﷺ إلى العمل الصالح في هذه الأيام. ومن الوظائف التي ينبغي من المسلم أن يجتهد في تنفيذها:

١- اﻹكثار من اﻷعمال الصالحة:

أخرج الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» – يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ – قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: «وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلا رَجُلًا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىءٍ».

ولفظ رواية الدارمي: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عز وجل وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ ‌تَعْمَلُهُ ‌فِي ‌عَشْرِ الأَضْحَى».

٢- المحافظة على صلاة الفجر في جماعة والذكر بعدها حتى تطلع الشمس، ثم صلاة الضحى.

عنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ»، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ» أخرجه الترمذي وحسَّنه.

٣- المحافظة على صيام الأيام العشر، وهي مستحبة استحبابا شديدا، لأنها من الأعمال الصالحات؛ قال الحافظ الفقيه النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: وَالْمُرَادُ بِالْعَشْرِ هُنَا الْأَيَّامُ التِّسْعَةُ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ، ثم قال: فَلَيْسَ فِي صَوْمِ هَذِهِ التِّسْعَةِ كَرَاهَةٌ بَلْ هِيَ مستحبة ‌استحبابا ‌شديدا لاسيما التَّاسِعُ مِنْهَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ.اهـ

وروى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أم المؤمنين حَفْصَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: « أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ ﷺ: صِيَامَ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ ».

وروى أحمد أيضا عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: « كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ»، أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَخَمِيسَيْنِ.اهـ

٤- صيام يوم عرفة لغير الحاج:

أفضل أيام العشر بل أفضل أيام العام هو يوم عرفة، يوم التاسع من ذي الحجة، فقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث جابر عن النبي ﷺ قال: « وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ‌يوْمِ ‌عَرَفَةَ».اهـ

وهو يوم عيد للمسلمين، فقد روى البخاري ومسلم – واللفظ للبخاري -‏ عن ‏عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟، قال: «ٱلۡيَوۡمَ ‌أَكۡمَلۡتُ ‌لَكُمۡ ‌دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ » [المائدة: 3]  قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.اهـ

وقد خرجه ابن جرير الطبري في تفسيره من وجه ءاخر عن عمر، وزاد فيه أنه قال: نَزَلَتْ يَوْمَ جُمُعَةٍ يَوْمَ عَرَفَةَ، ‌وَكِلَاهُمَا ‌بِحَمْدِ ‌اللَّهِ ‌لَنَا ‌عِيدٌ.اهـ ولَفْظُ الطَّبَرَانِيِّ: وَهُمَا لَنَا عِيدَانِ.اهـ وَكَذَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ يَهُودِيًّا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ، يَوْمِ جُمُعَةٍ وَيَوْمِ عَرَفَةَ.اهـ

وجاء في فضل يوم عرفة أحاديث كثيرة منها:

ما رواه مسلم في الصحيح، عن السيدة عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: « ‏‏مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ».‏اهـ

وأخرج مالك في الموطأ ‏أن رسول الله ﷺ ‏قال: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ، مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ». قِيلَ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى ‌جِبْرِيلَ ‌يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ» (أي يُرَتِّبَهم ويُسَوِّيِهم ويَصُفُّهم للحرْب).

وفي موطأ مالك أن ‏رسول الله ‏‏ ﷺ ‏‏قال: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا والنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ».

ويستحب صيام يوم عرفة لغير الحاج، فقد روى مسلم عن أَبي قتَادَةَ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ ﷺ قال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَه». وفي رواية لمسلم أيضا عن ‏أبي قتادة الأنصاري ‏‏رضي الله عنه قال: وسئل أي رسول الله ﷺ، عن صومِ يومِ عرفة فقال: « يُكفِّر السنةَ الماضيةَ والباقية».اهـ

وأما بالنسبة للحاج فلا يصوم، فقد روى الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَفْطَرَ بِعَرَفَةَ، وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّ الفَضْلِ بِلَبَنٍ فَشَرِبَ» وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأُمِّ الفَضْلِ: «حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يَصُمْهُ – يَعْنِي يَوْمَ عَرَفَةَ – وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُمَرَ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ» وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ: ‌يَسْتَحِبُّونَ ‌الإِفْطَارَ بِعَرَفَةَ لِيَتَقَوَّى بِهِ الرَّجُلُ عَلَى الدُّعَاءِ.اهـ

وروى ابن أبي الدنيا في الأضاحي عن سيدنا عليٍّ رضي الله عنه أنهُ قالَ بعرفاتٍ: لا أَدعُ هذَا الموقفَ مَا وجدتُ إليهِ سبيلًا؛ لأنَّهُ ليسَ في الأرضِ يومٌ فيهِ عتقاءُ من النارِ، وليسَ يومٌ أكثرَ فيهِ عِتْقًا للرِّقَابِ فيهِ منْ يومِ عرفةَ، فَأكْثِرُوا في ذلَك اليومِ أن تَقُولوا: اللهمَّ ‌أعتقْ ‌رقبَتِى ‌من ‌النارِ، وأوْسِعْ لِى في الرزقِ الحلَالِ، واصْرِفْ عنِّى فَسَقَةَ الجنِّ والإِنسِ، فَإِنَّهُ عَامَّةُ ما أَدْعُوكَ به.اهـ ورواه السيوطي في الجامع الكبير.

٥- المحافظة على قيام ليالي العشر:

وقد أقسم الله بهن إذ قال: «وَٱلۡفَجۡرِ ١ ‌وَلَيَالٍ ‌عَشۡرٖ ٢ » قال كثير من أهل التفسير: المراد بها عشر ذي الحجة.اهـ  وهذا الصحيح الذي عليه جمهور المفسرين من السلف وغيرهم وهو الصحيح عن ابن عباس.

٦- الإكثار من الاستغفار:

قال النبي ﷺ: «مَا أَصْبَحْتُ غَدَاةً قَطُّ إِلَّا اسْتَغْفَرَتُ اللَّهُ فِيهَا مِائَةَ مَرَّةٍ». رواه ابن أبي شيبة وغيره، وقال النبي ﷺ: « وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ» رواه مسلم.

٧- اﻹكثار من الذكر، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، امتثالًا لقول الله تعالى: «وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ ‌فِيٓ ‌أَيَّامٖ ‌مَّعۡلُومَٰتٍ » [الحج: 28]، قال ابن عباس: أيام العشر.

 فقد روى الإمامُ أحمدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ».

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ» رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد كما قال المنذري في الترغيب.

وقال الإمام البخاري في الجامع الصحيح: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ[1]: أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ الـمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. (يشير إلى معنى قوله تعالى: «وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ‌فِيٓ ‌أَيَّامٖ ‌مَّعۡدُودَٰتٖۚ » [البقرة: 203] )، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: «يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا».

وينبغي الإكثار من التكبير المطلق، وهو ما لا يكون عقب صلاة:

فيندب التكبير لحاضر ومسافر وذكر وغيره، ويدخل وقته بغروب شمس ليلة عيد الأضحى، ويكبرون في المنازل والطرق والمساجد والأسواق.

والأظهر إدامته ندبا للمصلي وغيره حتى يحرم الإمام بصلاة العيد أي يفرغ من إحرامه بها.

وأما التكبير المقيد وهو المفعول عقب الصلاة:

يكبر عقب الصلوات، الحاج من ظهر يوم النحر لأنها أول صلاته بمنى ووقت انتهاء التلبية ويختم التكبير بصبح ءاخر أيام التشريق لأنها ءاخر صلاة يصليها بمنى.

وغير الحاج يكبر من صبح يوم عرفة ويختم بعصر ءاخر أيام التشريق، والعمل على هذا في الأمصار، وصح من فعل عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم من غير إنكار، واختاره النووي في تصحيحه ومجموعه وقال في الأذكار: هذا هو الأصحّ الذي عليه العمل، وقال في الروضة: وهو الأظهر عند المحققين.اهـ

وفي فتح الباري لابن رجب: وروى جعفر الفريابي، من رواية يزيد بن أبي زياد، قال: رأيت سعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى ومجاهدا – أو اثنين من هؤلاء الثلاثة – ‌ومن ‌رأينا ‌من ‌فقهاء الناس يقولون في أيام العشر: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

وروى المروزي، عن ميمون بن مهران، قال: أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر.اهـ

وأما أيام منى وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، هي أيام التشريق، وهي الأيام المعدودات التي قال الله عز وجل: «وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ‌فِيٓ ‌أَيَّامٖ ‌مَّعۡدُودَٰتٖۚ» وقال النبي ﷺ: « ألا وإنَّ هذِهِ الأيامَ ‌أيَّامُ ‌أكلٍ ‌وشُرْبٍ وذِكرٍ للهِ عز وجل». رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

٨- الأضحية:

وهي سنة مؤكدة، قال في المغني: وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية.اهـ اقتداء بأبينا إبراهيم عليه السلام واتباعًا لسنة نبينا محمد ﷺ.

وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ ﷺ ‌بِكَبْشَيْنِ ‌أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ».

فالأضاحي شعيرة عظيمة وسنة قويمة، قد ورد الفضل العظيم لمن أحياها، ففي الحديث عنه ﷺ قال: «‏مَا عَمِلَ ابْنُ ‏ءادَمَ ‏‏يَوْمَ النَّحْرِ ‏عَمَلا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ‏إِهْرَاقِ ‏‏الدَّمِ وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا ‏‏‏وَأَظْلافِهَا ‏‏وَأَشْعَارِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نفْسًا». رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما. وفي حديثِ ‏‏زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ‏‏قَالَ:‏ قَالَ ‏‏أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ‏‏يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الأضَاحِيُّ قَالَ:«سُنَّةُ أَبِيكُمْ ‏إِبْرَاهِيمَ»،قَالُوا: فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ»، قَالُوا: فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنْ الصُّوفِ حَسَنَةٌ». خرّجه أحمد وابن ماجهْ.

ومما ينبغي أن يُعلم ـ رحمكم الله ـ أنه لا يُجْزِئُ فِي الأضْحِيَّةِ إلا الأَنْعَامُ‏،‏ وَهِيَ الإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ،‏ وَلا يُجْزِئُ فِيهَا إلا الْجَذَعَةُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيَّةُ مِنْ الْمَعْزِ وَالإبِلِ وَالْبَقَرِ‏، والْجَذَعُ مَا اسْتَكْمَلَتْ سَنَةً أَوْ أَجْذَعَتْ قَبْلَهَا‏،‏ وقيل ستة أشهرٍ وقيلَ ثمانية، وَأَمَّا الثَّنِيُّ مِنْ الإِبِلِ فَمَا اسْتَكْمَلَ خَمْسَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ، ‏وَأَمَّا الثَّنِيُّ مِنْ الْبَقَرِ فَهُوَ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ، وَأَمَّا الثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ فالأصح أنه مَا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ ودخل في الثالثة. ويجزئ ما فوق الجذعِ والثني وهو أفضلُ، ويجزئ الذكرُ والأنثى. ولا يجزئ فيهما معيبٌ بعيبٍ يؤثرُ في نقصِ اللحمِ تأثيرًا بينًا أي ظاهرًا كالعرجاء البينِ عرجُها أو العوراء، ولا يجزئ من قُطع من أُذنهِ جزءٌ بَيِّـن. ويجزئ الخصي وذاهبُ القرنِ ومكسورُ القرنِ والتي لا أسنانَ لها إن لم تكُن هزُلت.

فقد رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:‏ «لا يُجْزِئُ فِي الأضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا،‏ وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلَعُهَا وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لا تُنْقِي». حَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ‏، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ:‏ مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ.‏ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، ورواه مالك وصححه ابن حبان. وَقَوْلُهُ ﷺ: «الْبَيِّنُ ظَلَعُهَا»‏ قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه: الْمَشْهُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَتْحُ الظَّاءِ وَاللَّامِ وَضَبْطُ أَهْلِ اللُّغَةِ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الْعَرَجُ.اهـ، وَقَوْلُهُ ﷺ: «الَّتِي لا تُنْقِي» بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ،‏ أَيْ الَّتِي لا نِقْيَ لَهَا، بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ‏. وَالْمُخُّ دُهْنُ الْعِظَامِ.

وتجزئ التضحية بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ‏،‏ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، لـما رواه مالك في موطئه أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: كُنَّا «‌نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ، وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ».اهـ

وتجزئ البدنةُ عن سبعةٍ، والبقرةُ عن سبعةٍ، سواءٌ كانوا أهل بيتٍ واحدٍ أو أجانِبَ ولو كانَ بعضُهم يُريدُ أضحية وبعضهم يريدُ اللحم جازَ.

ويَدْخُلُ وَقْتُ التَّضْحِيَةِ إذَا طَلَعَت الشَّمْسُ يَوْمَ النَّحْرِ‏،‏ وَمَضَى بَعْدَ طُلُوعِهَا قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ‏. ‏‏وَأَمَّا ءاخِرُ وَقْتِهَا فبِغُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. والسنة أن لا تذبح إلا بعد صلاة العيد. ويجوز الذبح ليلًا ونهارًا.

ولا يجوز أن يأكل من الأضحية المنذورة شيئا وكذا من تلزمه نفقته. وأما الأضحية المتطوع بها فيندب له أن يأكل منها، فإن شاء أكل الثلث وأهدى الثلث وتصدق بالثلث. قال الفقهاء: لا يَجُوزُ ولا يصح بَيْعُ شَىءٍ مِنْ َالأضْحِيَّةِ نَذْرًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا،‏ وَلا يَجُوزُ جَعْلُ الْجِلْدِ وَغَيْرِهِ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ بل مؤنة الذبح على المضحي.

ويسن لمنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ ودَخَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَنْ لا يُقَلِّمَ شَيْئًا مِنْ أَظْفَارِهِ وَأَنْ لا يَحْلِقَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ أَوْ بَدَنِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ‏، والْحِكْمَةُ فِي هذا النَّهْيِ- وهو نـهي كراهة في المذهب الشافعي- أَنْ يَبْقَى كَامِل الأجْزَاءِ لِيُعْتَقَ مِنْ النَّارِ.

لـما روى مسلم عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « ‌مَنْ ‌كَانَ ‌لَهُ ‌ذِبْحٌ ‌يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعَرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ»، ورواه أبو داود وابن حبان في صحيحه. والذبح بكسر الذال: الذبيحة، وبالفتح: المصدر.

وفي رواية لمسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: « إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ ‌وَأَرَادَ ‌أَحَدُكُمْ ‌أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ».

وفي رواية لمسلم أيضا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: « إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ ‌وَأَرَادَ ‌أَحَدُكُمْ ‌أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا».

وفي رواية لمسلم أيضا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تَرْفَعُهُ قَالَ: « إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَعِنْدَهُ أُضْحِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلاَ يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا».

وحمل الشافعي رضي الله عنه ذلك على الاستحباب، لحديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ‌يُهْدِي ‌مِنَ ‌الْمَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِهِ، ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ» رواه البخاري ومسلم.

قال النووي في شرح مسلم: «وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابُ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَأَمَّا الْغَنَمُ فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا التَّقْلِيدُ وَحْدَهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ فَتْلِ الْقَلَائِدِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ بَعَثَ هَدْيَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَىءٌ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ».

قول عائشة رضي الله عنها: (فأفتل) من باب ضرب؛ أي: ألوي بِنَفْسِي (قلائدَ هديه) ﷺ؛ من فتلت الحبل وغيره؛ إذا لويته. والقلائد: جمع قلادة؛ والمراد بها هنا: ما يعلق بعنق الهدي من الخيوط المفتولة علامة له، فيَكُفُّ الناس عنه؛ والهدي: ما يهدى إلى الحرم المكي من النعم. ففيه استحباب تقليد الهدي وفتل قلائده. (ثم) بعد بعثه الهدي إلى الحرم (لا يجتنب) ولا يبتعد ولا يعتزل (شيئًا مما يجتنبه المحرم) من محظورات الإحرام؛ كالطيب والدهن.اهـ

وقال في النهاية: «‌إِشْعَارُ ‌البُدْن» وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ أَحَدَ جَنْبَيْ سَنَامِ البدَنة حَتَّى يَسِيل دمُها ويَجْعل ذَلِكَ لَهَا عَلامة تُعْرف بِهَا أَنَّهَا هَدْىٌ.اهـ

واحذروا أيها الإخوة ممن يغشُّون الناسَ في عملِ الأضاحيّ فيذبحونَها قبلَ وقتها، فعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: «خَطَبَنَا النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ‌فَقَدْ ‌أَصَابَ ‌سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَىءٍ» رواه الشيخان.

٩- حال السلف في العشر من ذي الحجة:

روى الدارمي في مسنده: وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا، ‌حَتَّى ‌مَا ‌يَكَادُ ‌يَقْدِرُ عَلَيْهِ.اهـ  

وروى أبو نعيم في الحلية: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: «لَا تُطْفِئُوا سُرُجَكُمْ لَيَالِي الْعَشْرِ»، تُعْجِبُهُ الْعِبَادَةُ وَيَقُولُ: «أَيْقِظُوا خَدَمَكُمْ يَتَسَحَّرُونَ لِصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ».اهـ  

وكانوا ينوِّعون من العبادات في عشر ذي الحجة:

فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه: عَنْ أَبِي مَعْنٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ، ‌وَأَبَا ‌الْعَالِيَةِ ‌اعْتَمَرَا ‌فِي الْعَشْرِ».اهـ

وفي تذكرة الحفاظ أن الحافظ ابن عساكر كان يلازم الاعتكاف في شهر رمضان، وعشر ذي الحجة.اهـ

١٠- وإذا استطعت أن تكون من الحجاج والمعتمرين فهذا غاية عظيمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ما أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطُّ، ولا كبَّرَ مُكَبِّرٌ قَطُّ، إلَّا بُشِّرَ»، قيل: يا رسول الله بالجنَّة؟ قال: «نعم».

قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادَيْنِ، رِجَالُ أَحَدِهِمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ.اهـ

فَلْنُبَادِرْ إلى اغتنامِ الخيراتِ قبلَ الموت، فإنَّ أنفاسَنا معدودةٌ ولا بُدَّ أن يتمَّ العدد، والموتُ ءاتٍ لا رَيْب، والقبرُ يَنْتَظِرُنَا لا شَكّ، والسَّلامةُ لا يَعْدِلُها شىء، وطريقُ النَّجاةِ مَعروفٌ وهو التّمسكُ بعقيدةِ أهلِ الحقِّ معَ العِلمِ والعمَل.

نسألُ اللهَ تعالى أنْ يجعلَنَا مِنَ الذينَ يستمعونَ القولَ فيتَّبعونَ أحسنه. 

[1] قال في إرشاد الساري: لم يقصد بها التلاوة، وإنما حكى كلام ابن عباس. وابن عباس إنما أراد تفسير المعدودات والمعلومات، نعم، في فرع اليونينية، مما رقم له بعلامة أبي ذر، عن الكُشْمِيهَنيّ: «وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ ‌فِيٓ ‌أَيَّامٖ ‌مَّعۡلُومَٰتٍ » [الحج: 28]  باللام، وهذا موافق لما في الحج.اهـ

< Previous Post

ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته- خطبة الجمعة 24-05-2024

Next Post >

الإنترنت ما له وما عليه- خطبة الجمعة

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map