سؤال: جاءنا سؤال طويل مختصره أن ابا الحسن الكرجي يطعن في الإمام الأشعري وأتباعه وذكر أن أبا حامد الأسفراييني كان يشدد النكير على الباقلاني وضمن السؤال نقل من كتاب درء التعارض ، فنرجو التكرم بالرد الشرعي؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيّدي رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه وبعد
هذا الكلام لعله دس على أبي الحسن الكرجي ولعله منه وهو بعيد، وإن صح أنه منه فلا حجة به لأنه إن صح هذا الكلام عنه فمعناه صحة التجسيم الصريح القبيح المنسوب إليه وبيان ذلك:
قال الإمام تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى – (6 / 61) :
اعلم أنا وقفنا على قصيدة تعزى إلى هذا الشيخ وتلقب بعروس القصائد في شموس العقائد نال فيها من أهل السنة وباح بالتجسيم فلا حيا الله معتقدها ولا حُيّي قائلها كائنا من كان وتكلم فيها في الأشعري أقبح كلام وافترى عليه أي افتراء.انتهى
ثم قال:
ثم رأيت شيخنا الذهبي حكى كلام ابن السمعاني الذي حكيته – عن قصيدة الكرجي – ثم قال قلت أولها
محاسن جسمي بدلت بالمعايب وشيب فودي شوب وصل الحبائب
ومنها
عقائدهم أن الإله بذاته على عرشه مع علمه بالغوائب
ومنها
ففي كرج الله من خوف أهلها يذوب بها البدعي يا شر ذائب
يموت ولا يقوى لإظهار بدعة مخافة حز الرأس من كل جانب
انتهى ما حكاه الذهبي
وكان يتمنى فيما أعرفه منه أن يحكى الأبيات الأخر ذات الطامات الكبرى التي سأذكرها لك ولكن يخشى صولة الشافعية وسيف السنة المحمدية، وأقول أولا أني ارتبت في أمره هذه القصيدة وصحة نسبتها إلى هذا الرجل وغلب على ظني أنها إما مكذوبة عليه كلها أو بعضها والذي يرجح أنها مكذوبة عليه كلها أن ابن الصلاح ترجم هذا الرجل وحكى كلام ابن السمعاني إلا فيما يتعلق بهذه القصيدة فلم يذكره فيجوز أن يكون ذلك قد دس في كتاب ابن السمعاني ليصحح به نسبة القصيدة إلى الكرجي وقد جرى كثير مثل ذلك ويؤيد هذه أيضا أن ابن السمعاني ساق كثيرا من شعره ولم يذكر من هذه القصيدة بيتا واحدا ولو كان قد قرأها عليه لكان يوشك أن يذكر ولو بعضها ، ويحتمل أن يكون له بعضها ولكن زيدت الأبيات المقتضية للتجسيم وللكلام في الأشاعرة ويؤيد ذلك أن القصيدة المشار إليها تزيد على المائتين وأربعين وابن السمعاني قال تزيد على المائتين وظاهر هذه العبارة أنها تزيد بدون عقد وأنها لو كانت مائتين وأزيد من أربعين لقال نزيد على المائتين وأربعين ويؤيده أيضا أن أبياتها غير متناسبة فإن بعضها شعر مقبول وأظنه شعره وبعضها وهو المشتمل على القبائح في غاية الرداءة لا يرضى به من يحسن الشعر.انتهى
ثم ذكر بيتا من هذه القصيدة المفتراة وهو بيتٌ في غاية الكذب وهو قوله عن سيدنا أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه:
ولم يك ذا علم ودين وإنما بضاعته كانت مخوق مداعب
وفي هذا البيت من الكذب ما لا يخفى على لبيب فإن أحدا من الطوائف لم ينكر علم الأشعري بل اتفقوا على أنه كان أوحد عصره لا يختلف في ذلك لا من ينسبه إلى السنة ولا من ينسبه إلى البدعة.انتهى كلام التاج السبكي
والإمام الأشعري رضي الله عنه كان بحرا من العلم في أصول الدين والفقه، ولو كان كذلك لكان أسهل وأوّلَ أمر يرد به المبتدعة عليه، فإن كان الإمام البيهقي من أتباع أتباع أتباعه فما بالك به هو رضي الله عنه.
فواضح أن الكلام مفترى على هذا الرجل، وإن كان منه فهو مجسم مصرّح بالكفر والتجسيم وبالغ في الكذب، والذي يتعجب منه القارئ أن الإمام أبا بكر الباقلاني كان إمام المسلمين في زمانه وصاحب سلطة ومهابة وإن كان أبو حامد الأسفرايني فقيها والإمام الباقلاني إماما بحرا مدافعا عن دين الإسلام فأيهما أحق بأن يهاب الآخر؟ هذا افتراء ءاخر.
وأخيرا، فإن ما يدلك على أن الكلام مكذوب مدسوس هو عبارةُ أنه كان يميز أصول الأشعري من أصول الشافعي، فأين الحاجة إلى التمييز أصلا؟ وما ينقل عن الإمام الأشعري في العقيدة وما ينقل عن الإمام الشافعي في الفقه فكيف التمييز بينهما؟ اللهمّ إلا أن يقولَ سخيفُ العقل: كان أبو حامد الإسفرايني يميز بين قول الأشعري والشافعي في باب الوضوء بأن القدرة من صفات اللهِ الثابتة له وأنّ لمس الزوجة ينقض الوضوء.
فهل أوضح من هذا الكذب؟ فهذا المقال المسرود ءانفًا لا يقام له وزن لظهور الكذب فيه وقلة فطنة قائله، فإنه لا يعرف أصول الدين من الفقه حتى خلط بينهما فانكشف كيده.
وبقي هنا مسئلة ٌ وهي أن الإمام ابن السمعاني الأشعري المشهور نقل عنه أنه سمع منه قصيدة في العقيدة على منهج السلف، وابن السمعاني يعتقد أنه على منهج السلف لعلمه بأنه على العقيدة الحقة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يسمع منه هذه القصيدة وهذا الطعن في الأشعري ويسكت ولا ينكره مع أنه كان رأسا إماما متّبَعا في عصره.
فخلاصة القول أن هذا الكلام إما مدسوس كما هو ظاهر وإما أن صاحبه وإن كان ينتسب للمذهب الشافعي فعقيدته تجسيمية تشبيهية فاسدة لا يعرف الله تعالى فكيف يعرف فضل الإمام الأشعري رضي الله عنه وغيرَه من أهل السنة العظماء.
وسؤال أخير: ألا يوجد مرجع ءاخر يثبت هذا الكلام غير كتاب درء التعارض؟ فإن صاحبه يعجبه هذا الكلام في التجسيم وهو ابن تيمية حامل لواء التجسيم في عصره والقائل بأن الشك في قدرة الله ليس كفرا وأن نار جهنم تنطفئ وافترى على السلف وأئمة الحديث بأنهم لم ينطقوا يوما بنفي التجسيم عن الله، وإنه والله كاذب في هذا فإن الحافظ السلفي أبا بكر الإسماعيلي قال في كتابه (اعتقاد أئمة الحديث) بعد ذكر رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة: ” وذلك من غير اعتقاد التجسيم في الله عز وجل ولا التحديد له ولكن يرونه جل وعز بأعينهم على ما يشاء هو بلا كيف” انتهى
وكم لهؤلاء الخائبين من سعي حثيث إلى تزيين ضلالاتهم بالدس والكذب وتحريف النصوص وإخفاء الحقائق، فكن على يقين من أنهم مفلسون سلاحهم هذا وأدام الله ظل أهل السنة وارفا إلى يوم الدين ءامين
والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين والله تعالى أعلم وأحكم