إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدَ ولا ندَّ له، وأشهد أن سيدَنا وحبيبنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمَّدا عبدُه ورسولُه وصفيه وحبيبه، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، فجزاه الله عنا خير ما جزى نَبِيًّا من أنبيائه، صلواتُ اللهِ وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.

أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في محكم التنْزيل:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ“. {الحج:2}.

إخوةَ الإيمان والإسلام، هذه الآيةُ الكريمةُ هي خطابٌ عامٌّ إلى الناسِ فيها أمرٌ بالتقوى وفيها ذكرُ الحالِ يومَ القيامة، ذلك اليوم الذي تشخَصُ فيه الأبصار، وتذهلُ فيه النفوس، وتغفلُ فيه المرأةُ عمّن أرضعت، ” يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ”. فمن كان في الدُّنيا مؤمنا مستعدا عاملا بالخيرات الواجبات وغيرها والمبرّاتِ يكونُ منَ الفائزين في ذلك اليومِ العظيم، ناجيًا من عذابِ الله، يُحشَرُ طاعمًا راكبًا كاسيًا محفوظًا مِنْ أذى حرِّ الشمسِ يومَ القيامةِ، لأنَّ الشمسَ يومَ القيامة تدنو من رؤوسِ العباد، تكون أقوى حرارةً لقُربها من رؤوسهم فيلحقُ أذًى كبيرٌ لبعضِ الناس، أما البعضُ الآخرون وهم عبادُ الله الصالحون هؤلاء في أمانٍ يكونونَ في مكانٍ يُظلُّهم ظِلُّ العرشِ لا يلقَونَ أذًى من حرِّ الشمس، فهم في راحةٍ كالأتقياءِ السبعةِ الذين ذكرهُمُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم في حديثِه المشهور الذي رواه البخاري وغيره:” سَبْعةٌ يُظلُّهم اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظلُّه، إمامٌ عادلٌ، وشابٌّ نشأ في عبادةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ورجلٌ قلبُه مُعلّقٌ بالمساجدِ، ورجُلانِ تحابَّا في اللهِ اجتمَعَا عليه وتفرَّقَا عليه، ورجُلٌ دعتْهُ امرأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجمالٍ فقال إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدقَ بصدقةٍ فأخفاهَا حتى لا تعلمَ شمالُه ما تنفقُ يمينُه، ورجلٌ ذكرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عَيناه”.

أولئك السبعةُ وأُناسٌ ءاخرونَ يُظِلُّهمُ اللهُ يومَ القيامةِ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه، أي ظلُّ العَرْشِ، فهم سالمونَ من حرِّ أذى الشَّمس، فَمِن هؤلاءِ إمامٌ عادِلٌ كأبي بكرٍ الصديق وعمرَ وعثمانَ وعليٍ وعمرَ بنِ عبدِ العزيز الذي هو مِن سُلالةِ عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنهم، وكان عمرُ بنُ الخطابِ يقولُ عنه:” يكونُ مِنْ وَلََدِي رجلٌ بوجهِهِ شَجّةٌ يملأ الأرضَ عدلاً كما مُلئت جَوْرًا”. فتحققَ فيه قولُ جدِّه فكانَ بوجهِهِ شَجّة، ضربته دابةٌ في وجهِه وهو غلامٌ فجعل أبوه يمسحُ الدَّمَ ويقول:” إن كنتَ أشجَّ بني أمية إنك لسعيد”. فهو الذي أزال ما كانت بنو أمية تفعلُه من مسبةِ الإمامِ عليٍّ على المنابر وذكرِه بالسوء، ولما استلم الخلافةَ كتبَ إلى عُمَّالِه:” إذا دعتْكُم قُدرَتُكم على الناسِ إلى ظُلمِهم فاذكروا قدرةَ اللهِ عليكُم”.

وقد قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:” وشابٌّ نشأ في عبادة الله” من صغره نشأ، تربى على عبادة الله، تعلم شرعَ الله، طبّقَ شرع الله، اشتغلَ بالطاعات واجتنبَ المحرمات.

“ورجلٌ قلبُه معلقٌ بالمساجد” علَقَ قلبه بأفضلِ بقاعِ الأرضِ مخلصًا لله ربِّ العالمين مُغتنما أوقاتَه وأنفاسَه. فقد قال عليه الصلاة والسلام:” بَشِّرِ المشَّائينَ في الظُّلَمِ إلى المساجدِ بالنورِ التامِّ يومَ القيامة”.

وقد قالَ رسولُ الله:” ورجُلان تحابَّا في اللهِ اجتَمعَا عليه وتفرَّقا عليه”. فالتحابُّ في الله سببٌ في كونِ المؤمنِ في ظلِّ العرشِ يومَ القيامة وهو مِنَ الأمورِ التي تُوصلُ إلى محبةِ اللهِ وقد قال عليه الصلاة والسلام:” تصافَوُا الحُبَّ في الله”. فهذا يأمرُ هذا بالخيرِ وهذا يأمرُه بخير، يَصْدُقُهُ، ولا يغشُّه ولا يُداهنُه ولا يخدَعُه، ينهاه عن الشر، يتعاونان على الطاعاتِ، وإبداء النصيحة.

والرسول قال:” ورجُلٌ دعتْه امرأةٌ ذاتُ منصِبٍ وجمالٍ فقال إني أخافُ الله”.

فقد وردَ أنَّ رجُلا منَ الصالحين سمِعَ بشخصٍ في بلدةٍ، مجابِ الدعاء، فذهبَ إليه واستضافَه ثلاثَ ليالٍ فلمْ يجِدْ فيه شيئًا زيادةً، فقال له بعدَ الأيامِ الثلاث: أسألُكَ: ما سرُّ إجابةِ دعوَتِك؟، فقال له: تلك دعوةُ نفسٍ عضَّها الجوع، وصَدَقَتْ لله في السجودِ والرُّكُوعِ، فأعطَاها مُنَاها وأجابَ دُعَاها. قال: وكيفَ ذلك؟، قالَ له: أصابَ الناسَ قحطٌ، فبينما أنا ذاتَ ليلةٍ، فإذا بامرأةٍ جميلةٍ تُخْجِلُ البدرَ مِن جمالها دقّتِ البابَ، وطلبَتْ مني طَعامًا فقلتُ لها لا، إلا أن تُراوِدِيني عن نفسِكِ. فقالت لي: الموتُ ولا معصيةُ ربي، وَرَجَعَتْ وهي تبكي، ثم رجَعَتْ بعد أيامٍ وقد طواها الجوعُ وأشرَفَتْ على الهلاكِ وطلبتْ مني طعامًا، فقلتُ لها: إلا أنْ تُراوِدِيني عن نفسك، فقالت: الموتُ ولا معصيةُ ربي، الموتُ ولا معصيةُ ربي، فعادتْ ولم تَكَدْ تحتَمِل، فقلتُ لها مثلَ ذلك فرَجَعَتْ وهي تبكي فَلَحِقْتُ بها وسمعتُها تقولُ ءاياتٍ تُناجي اللهَ تعالى، فلمّا سمعتُها تقولُ ذلك زادَ الإيمانُ في قلبي وحبُ الخير، وتبتُ إلى اللهِ، فقلتُ لها ارجِعي وخُذِي ما تشائينَ لوجهِ الله، فَرَجَعَتْ وفَعَلَتْ ثم رفَعَتْ يدَيْها إلى السماءِ وقالت: اللهمَّ كما هديتَ قلبَهُ، وأَنَرْتَ لُبَّهُ فأَجِبْ دعاءَهُ ،ولا تَرُدَّهُ اللهمَّ خائبا.

وقال الرسول:” ورجلٌ تصدّقَ بصدَقةٍ فأخفَاها، حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنفِقُ يمينُه” لأنَّهُ بالَغَ في إخفائِها. ولا يدرِي الإنسانُ إلى أينَ يذهبُ سرُّ الصَّدَقَةِ ولو كانتْ قليلة.

ثم قال الرسول:” ورجلٌ ذكرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عَيْنَاه” وقد قالَ رسولُ اللهِ:” عينانِ لا تمسُّهُمَا النارُ، عينٌ بكَتْ مِنْ خَشيةِ اللهِ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيلِ الله” فبذكرِ اللهِ تطمئنُّ القلوب.

اللهمَّ اجعلنا من هؤلاءِ السبعةِ يا أرحمَ الرَّاحمين.

هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.

< Previous Post

خطبة الجمعة | الحذر من الاغترار بالدنيا

Next Post >

خطبة الجمعة | دورُ وأهمّيةُ التواضعِ في تلقِّي العِلْمِ الشَّرْعيِّ

Darulfatwa

40 Hector Street,
Chester Hill NSW 2162

P: +612 9793 3330
F: +612 9793 3103
info@darulfatwa.org.au

Darulfatwa World Map